السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعرّفها ابن القيم بقوله: «هي نور يقذفه الله في القلب، يفرّق به بين الحق والباطل، والصادق والكاذب»، وفي تعريف آخر له يقول: «هي نور يقذفه الله في قلب، يرى به حقيقة ما أخبرت به الرسل كأنه يشاهده رأي عين، فيتحقق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرسل وتضرره بمخالفتهم، وهذا معنى قول بعض العارفين: (البصيرة تحقق الانتفاع بالشيء والتضرر به)»
كيف تعمل البصيرة في قلب المؤمن ؟
إن عمل البصيرة الإيمانية في قلب المؤمن كعمل كشاف ضوء منير في وسط ظلمة حالكة ، فهي التي تكشف الأشياء على حقيقتها فيراها المؤمن كما هي ، ولا يراها كما زينت في الدنيا ولا كما زينها الشيطان للغاوين ولا كما زينها هوى النفس في الأنفس الضعيفة ..
قال ابن القيم: ومن عقوبات المعاصي: أنها تعمي بصيرة القلب، وتطمس نوره، وتسد طرق العلم، وتحجب مواد الهداية.
ولا يزال هذا النور يضعف ويضمحل، وظلام المعصية يقوى حتى يصير القلب في مثل الليل البهيم، فكم من مهلك يسقط فيه ولا يبصر، كأعمى خرج بالليل في طريق ذات مهالك ومعاطب، فيا عزة السلامة ويا سرعة العطب، ثم تقوى تلك الظلمات، وتفيض من القلب إلى الجوارح ، فيغشى الوجه منها سواد، بحسب قوتها وتزايدها، فإذا كان عند الموت ظهرت في البرزخ، فامتلأ القبر ظلمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم).
فإذا كان يوم المعاد، وحشر العباد، علت الظلمة الوجوه علوا ظاهرا يراه كل أحد، حتى يصير الوجه أسود مثل الحممة، فيالها من عقوبة لا توازن لذات الدنيا بأجمعها من أولها إلى آخرها، فكيف بقسط العبد المنغص المنكد المتعب في زمن إنما هو ساعة من حلم؟ والله المستعان.